عقوبات ألبانيزي- تكميم صوت العدالة وفضح ازدواجية المعايير.

المؤلف: كريس هيدجيز08.26.2025
عقوبات ألبانيزي- تكميم صوت العدالة وفضح ازدواجية المعايير.

إن فرض العقوبات من قِبل إدارة ترامب على فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة، يشكل بداية خطيرة وتنبئ بنهاية وشيكة لحكم القانون الدولي القائم.

عندما يُسجل التاريخ فصول الإبادة الجماعية المروعة في غزة، ستُذكر فرانشيسكا ألبانيزي، بوصفها المقررة الخاصة للأمم المتحدة، كواحدة من أكثر الأصوات جرأة وإصرارًا في الدفاع المستميت عن العدالة والالتزام الصارم بالقانون الدولي. إنها اليوم تواجه عقوبات قاسية من إدارة ترامب بسبب اضطلاعها بمسؤولياتها القيادية في المكتب الأممي المنوط به رصد وتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من قبل إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني.

تتلقى ألبانيزي بصورة مستمرة تهديدات بالقتل، وتتعرض لحملات تشويه ممنهجة ومحكمة التنظيم تقودها إسرائيل وحلفاؤها المقربون. ومع ذلك، فإنها تسعى بشجاعة نادرة لمحاسبة كل من يدعم ويشارك في إدامة هذه الإبادة الجماعية البشعة.

وهي تنتقد بشدة ما تصفه بـ "الفساد الأخلاقي والسياسي المستشري في العالم" والذي يسمح باستمرار هذه الإبادة المروعة. وقد أصدر مكتبها تقارير مفصلة ودقيقة توثق جرائم الحرب التي ارتُكبت في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك تقرير بالغ الأهمية بعنوان "الإبادة كوسيلة للإزالة الاستعمارية"، والذي أُعيد نشره كمُلحق قيم في كتابي الأخير "إبادة متوقعة".

أبلغت ألبانيزي منظمات حقوقية خاصة بأنها قد تكون "مسؤولة جنائيًا" عن مساعدتها لإسرائيل في تنفيذ الإبادة الجماعية في غزة. وأكدت أنه إذا صح ما نُقل عن رئيس الوزراء البريطاني ووزير الخارجية السابق ديفيد كاميرون بأنه لوّح بقطع التمويل وسحب بريطانيا من المحكمة الجنائية الدولية بعد إصدارها مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فإن ذلك قد يعرض كاميرون ورئيس الوزراء البريطاني السابق ريشي سوناك للملاحقة الجنائية بموجب نظام روما الأساسي، الذي يجرّم بشكل قاطع محاولات منع محاكمة مرتكبي جرائم الحرب.

ودعت ألبانيزي كبار مسؤولي الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة تهم التواطؤ في جرائم الحرب بسبب دعمهم للإبادة الجماعية، مؤكدة أن أفعالهم المشينة لا يمكن أن تمر دون عقاب رادع. وكانت من أبرز الداعمين لأسطول "مادلين" الذي سعى لكسر الحصار الظالم عن غزة وتوصيل المساعدات الإنسانية الضرورية، وكتبت أن القارب الذي اعترضته إسرائيل كان يحمل، إلى جانب الإمدادات العاجلة، رسالة إنسانية عميقة للعالم أجمع.

في أحدث تقاريرها، أدرجت ألبانيزي أسماء 48 شركة ومؤسسة كبرى، منها Palantir Technologies Inc.، Lockheed Martin، Alphabet Inc. (Google)، Amazon، IBM، Caterpillar Inc.، Microsoft، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT)، إضافةً إلى بنوك وشركات تأمين وعقارات وجمعيات خيرية. وذكر التقرير أن جميع هذه الكيانات تنتهك القانون الدولي بشكل صارخ وتحقق أرباحًا طائلة بمليارات الدولارات من الاحتلال والإبادة الجماعية للفلسطينيين.

أدان وزير الخارجية ماركو روبيو دعم ألبانيزي للمحكمة الجنائية الدولية، والتي فُرضت عليها وعلى أربعة من قضاتها عقوبات أميركية قاسية العام الماضي بسبب إصدارهم مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.

وانتقد روبيو ألبانيزي بشدة لمحاولاتها محاكمة مواطنين أميركيين أو إسرائيليين يدعمون الإبادة الجماعية، واعتبر أنها غير جديرة بمنصبها كمقررة خاصة، متهمًا إياها بأنها "تروج لمعاداة السامية بلا خجل أو تردد، وتدعم الإرهاب، وتبدي احتقارًا صريحًا للولايات المتحدة وإسرائيل والغرب". ومن المتوقع أن تؤدي العقوبات إلى منع ألبانيزي من دخول الولايات المتحدة، وتجميد أي أصول مالية تمتلكها هناك.

إن الهجوم الشرس على ألبانيزي ينذر بعالم فوضوي يسوده الظلم، عالم يُسمح فيه لدول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية دون أي مساءلة أو رادع.

هذا الهجوم يكشف بوضوح عن الخدع والأوهام التي نمارسها لخداع أنفسنا والآخرين. إنه يعري نفاقنا وقسوتنا وعنصريتنا المتجذرة. ومن الآن فصاعدًا، لن يأخذ أحد على محمل الجد تعهداتنا المعلنة بالديمقراطية وحرية التعبير وسيادة القانون وحقوق الإنسان. ومن يستطيع لومهم على ذلك؟ فنحن لا نتحدث إلا بلغة القوة الغاشمة، لغة الهمجية، لغة المذابح الجماعية، لغة الإبادة.

قالت ألبانيزي في مقابلة أجريتها معها أثناء مناقشة تقريرها القيم "الإبادة كإزالة استعمارية":

"أعمال القتل الممنهج، القتل الجماعي الوحشي، التعذيب النفسي والجسدي اللاإنساني، التدمير الشامل، خلق ظروف حياة قاسية لا تسمح لأهل غزة بالبقاء على قيد الحياة – من تدمير المستشفيات والمراكز الصحية، والتهجير القسري الجماعي للسكان، والتشريد الجماعي، بينما يتعرض الناس للقصف اليومي المستمر، ويُجَوّعون بشكل متعمد- كيف يمكننا أن نقرأ هذه الأفعال بمعزل عن بعضها البعض؟"

الطائرات المُسيّرة المسلحة، الطائرات المروحية الهجومية، الجدران والحواجز الخانقة، نقاط التفتيش المهينة، الأسلاك الشائكة الحادة، أبراج المراقبة الشاهقة، مراكز الاحتجاز المكتظة، الترحيل القسري، الوحشية والتعذيب الممنهج، رفض منح تأشيرات الدخول اللازمة، الحياة الشبيهة بالفصل العنصري التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين، فقدان الحقوق الفردية الأساسية، والمراقبة الإلكترونية الدقيقة – كل ذلك مألوف للمهاجرين اليائسين على الحدود المكسيكية أو الساعين لدخول أوروبا، بقدر ما هو مألوف للفلسطينيين.

هذا ما ينتظر من سماهم فرانز فانون بـ "معذّبي الأرض".
أما من يدافعون بشجاعة عن المظلومين، كألبانيزي، فسيُعاملون كالمظلومين أنفسهم.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة